بحكم عملي في مجال النشر، وكوني أُماً يسعدها أن ترى عيون أطفالها تضيء فرحاً كلما تصفّحوا كتاباً جديداً، أجد صعوبة في تقبّل أن ملايين الأطفال مازالوا غير قادرين على التمتّع بالسعادة التي تستجلبها القراءة. وبالتالي، أصبحت رسالتي توفير الكتب والمواد القرائية، بمختلف تصنيفاتها وموضوعاتها، بين يدي اليافعين والأطفال المحرومين في بلدان الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، إيماناً منّي بأننا ندين لهم بمسار حياة أفضل.
القراءة تشعل الفضول للمعرفة، وتوقدُ الخيال، وتشجّع الحوار، وتفتح آفاقاً رحبة أمام الإبداعات والمواهب الكامنة. لذا، أرغب في إضفاء كل هذا العطاء إلى حياة أكبر عدد ممكن من هؤلاء الصغار. في العام 2016، أنشأتُ مؤسسة كلمات بغية تمكين اليافعين والأطفال المحرومين وتزويدهم بالكتب ومصادر المعرفة، على أمل أن يسهم ذلك في نشر العلم والثقافة وفتح آفاق أوسع أمامهم للتعلّم وامتلاك فرص لبناء مستقبل أكثر إشراقاً. في إطار هذه المساعي، بدأنا منذ ذلك الحين بإرسال مجموعات من الكتب إلى المناطق الريفية، والمستشفيات، ودور الأيتام، ومخيمات اللاجئين، والمكتبات، والمدارس. وتركزت جهودنا في توزيع الكتب على الأطفال المنحدرين من بلدان الشرق الأوسط ممن قادتهم ظروف الحرب إلى اللجوء والنزوح القسري، علاوة على الأطفال الذين يعانون إعاقات بصرية؛ وذلك ضمن مبادرات تهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على الهوية الثقافية للأطفال الذين انفصلوا عن أوطانهم، وإلى توطيد علاقتهم وتواصلهم مع ثقافتهم وتاريخهم ولغتهم، وترسيخ تمسّكهم بعاداتهم وتقاليدهم العربية الأصيلة. كما نسعى إلى توفير الكتب ومصادر المعارف لليافعين والأطفال المكفوفين وضعاف البصر لمساعدتهم على الاستقلالية والاعتماد على الذات وتمكينهم من الانخراط في المجتمع.
تتمحور جميع المشروعات والبرامج التي نطلقها حول الأهداف نفسها في المؤسسة، فقدمنا أكثر من 22,400 كتاب في 23 دولة. ومن خلال مبادرة “تبنّ مكتبة”، تم التبرع بـ 12,500 كتاب لنحو 89,000 طفل ويافع في أربع قارات. وبلغتنا أخبار سارة عن إنشاء نوادٍ للكتاب تضم كتب المؤسسة في مواقع متنوعة من العالم تصل إليها خدماتنا. توفّر المؤسسة ضمن مبادرة “أرى”، كتباً صوتية، وكتباً مطبوعة بحروف كبيرة، وأخرى بطريقة “برايل” للأطفال واليافعين المعاقين بصرياُ وعائلاتهم، حتى يتسنّى لهم قراءة القصص أو الاستمتاع بها سوياً.
في هذا الإطار، يضع التقرير بين أيديكم رؤية دقيقة لأنشطتنا وإنجازاتنا وما أحرزناه من تقدم خلال هذه الفترة، ويسلط الضوء على امتدادنا وحضورنا العالمي، وإسهامات المستفيدين والشركاء، وإحصاءات توزيع الكتب في مناطق عديدة من دول العالم.
ولا يسعني في هذا المقام إلا التعبير عن امتناني العميق لما بذله شركاؤنا من دعم وجهد مشكورَين في تقديم المشورة وترشيح المناطق التي تستحق أن نمدّها بالكتب والمكتبات، ولمشاركتهم في إصدار الكتب ونشرها وتوزيعها. والشكر موصول للجهات الراعية لمبادراتنا، والتي لم تتوانَ في البذل والتبرّع بسخاء، فقد كان لذلك كبير الأثر في بلوغ مساعينا على درب العلم والمعرفة. لقد شكّل انتشار جائحة كوفيد-19 تحدياً استثنائياً لمسيرتنا نحو نشر القراءة بين الأطفال وتوفير مصادر المعرفة، الأمر الذي أبرز الحاجة إلى تطوير تقنيات رقمية لدعم القراءة، وهو تنسيق طالبت به الجهات التي تصلها خدماتنا وتفصلنا عنهم المسافات، بدءاً من مخيم الزعتري للاجئين في شمالي الأردن وانتهاءً بمدينة ساو باولو بالبرازيل.
نحن نتعهّد بأن نواصل مساعينا نحو رعاية الأطفال واليافعين المحرومين، وتعزيز دور القراءة التي تحدث تغييراً جوهرياً في مسار حياتهم، ونقل أفضل ما في ثقافتنا الحياتية عبر القصص وغيرها من حقول الأدب والثقافة؛ فالمستقبل يكمن بين طيّات هذه الكتب وصفحاتها. هذا الهدف الذي بدأ بذرةً في وجدان أم يشغلها واقع ومستقبل أطفالها تحوّل الآن إلى حراك عالمي نأمل أن يترسّخ وينمو ويزدهر. وهدفنا الكبير ينحصرُ في سدّ الفجوة أمام نشر القراءة وتعزيزها وتوفير مصادر الثقافة والمعرفة بين أولئك الأطفال الذين يواجهون صعوبات كبيرة في هذه المرحلة العمرية المبكّرة، وفتح آفاق أوسع أمامهم لبناء مستقبل أكثر إنصافاً.
بدور القاسمي، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة